امت كل المحافظات السورية بأدوار متقدمة في الثورة، وقد كان لدور كل منها أهميته الخاصة، والمؤثرة في مراحل معينة من حياة الثورة، كما كان لكل دور تميزه تبعا، لأسبقية الحراك، أو الموقع الجغرافي، أو غلبة التركيبة العسكرية للجيش الحر، أو تبعا لتنوع أو تجانس المحيط السكاني من حيث الدين، أو الطائفة. وقد تميزت دمشق وريفها بميزات خاصة –كما للمدن الأخرى-، منها:
-- ارهاصات مبكرة للثورة: رغم أن قطار الثورة أقلع من درعا، إلا أن ارهاصات عدة بدرت من دمشق مثل حادثة الاعتصام في ساحة، المزة، ومظاهرة الحريقة، وتكاتف الناس مع حادثة سوق الحميدية التي تم خلالها ايقاف عنتريات عنصر للنظام.
-- الاستجابة السريعة لنداء درعا: لا يمكن للمرء أن ينسى، وخاصة إذا عاد لأشرطة التلفزيون السوري في ذلك الوقت، كيف تحركت دوما، وكيف انطلقت الالاف مشيعة للشهداء الذين سقطوا فيها. عندما رأيت تلك الجموع في التشييع ومع بداية الانطلاق من درعا، ثم سمعت لقاءات القناة السورية مع الناس، وطريقة اجاباتهم الشجاعة، لم اصدق ما أسمع، وأيقنت يومها، أن الثورة مستمرة، وهي منتصرة لا محالة، بإذن الله. ناهيك عن انطلاق الآلاف ومنذ البدايات في كقرسوسة، والحجر الأسود، وغيرها.
-- التنوع الثقافي، والاجتماعي، والعرقي، والطائفي، للمتظاهرين: اصطبغت الثورة السورية بشكل عام بصبغة اسلامية، كون الاسلام يشكل الحاضنة الثقافية، والاجتماعية، والمرجعية الدينية، والتاريخية للشعب السوري، وقد ظهر ذلك بوضوح ساطع في المحافظات الأخرى، وفي كثير من الريف الدمشقي، إلا أنه في دمشق، وبعض ريفها، كانت هناك ومنذ البدايات مشاركات فاعلة، وأحيانا قيادة لتلك المشاركات من مختلف الألوان السياسية.
لقد كان كثير من تلك المشاركات جريء جدا، ومن فتيات، وقد حدث بعضها داخل "مولات"، رغم الخطورة في ذلك.
كما أنه كانت هناك مشاركات فاعلة من المسيحيين، والكرد، والدروز، وقد برز منهم مثقفين، وكتاب، وصحفيين، وفنانين كان لهم فضل كبير في ابعاد تهمة الصبغة الطائفية للثورة، وأنها ثورة السنة ضد الأقليات.
كما أن الألوان الطائفية الأخرى، أفشلت خطة النظام في تسعير الخلاف الطائفي عبر محاولة استخدام النظام لمسمى اللجان الشعبية، فرأينا مواقف مسيحيي يبرود الواضحة، والمؤيدة للثورة.
-- التميز الإعلامي: كان هناك تميزا إعلاميا كبيرا لحمص، إلا أنه في الآونة الأخيرة، ومنذ عدة أشهر، بدأ تميز إعلامي من نوع آخر في دمشق، حيث أصبح هناك مجلات توعوية، ثورية، ارشادية، تطبع على الانترنت، ثم توزع داخل دمشق، وريفها، ومنها مجلة "عهد الشام"، و "عنب الشام"، و"السنونو". ولا ننسى تميز لافتات مدينة الزبداني بصياغتها، ومدلول كلماتها العميق، -هذا لا يغمط حق كفرنبل، وغيرها في التميز باللوحات التظاهربة.
-- التميز العسكري العملياتي: كل المدن، كان لها تميزها العسكري الخاص في العمل، إلا أن عمليات دمشق وريفها، تميز كثير منها، بالسرية التامة، واحكام التخطيط، ثم التنفيذ، كما تميزت باختراق متقدم لأمن النظام، ومخابراته، لذلك كان هناك عمليات نوعية كبيرة جدا، وخطيرة، هزت المنطقة، وهزت الثقة في النظام على مستوى العالم، منها عملية خلية الأزمة. وعملية الأركان، وضرب موكب بشار.
مرة أخرى، الثورة في كل محطة من محطاتها، وفي كل بلدة، او مدينة مرت بها، كان هناك تضحيات هائلة، وأحدثت ابداعات صارخة، ووعي ثقافي، وسياسي متميز، فالحمد لله الذي منح الشام ثورة، أزالت ركاما زائفا لبس تفاصيل الحياة، وتضاريسها، ثورة أحيت النفوس، فسبحان منزل الغيث، ومحيي الأرض، بعد موات.