لم تكن الثلاثينية سمر حمدان تدرك أن انشغال زوجها طوال الوقت على جهاز الكمبيوتر وإمضاء كل يومه وهو جالس عليه سيكون سببا في انفصالهما عن بعضهما.
ولع زوجها الشديد في الانترنت وانشغاله عن زوجته وأبنائه طوال الوقت، وحتى تخليه عن واجباته الزوجية سواء في المنزل أو مع الأبناء أو حتى مع زوجته، جعلها تفكر بالسبب الذي يجذب زوجها طوال الوقت إلى اللاب توب ويجعله لا يكترث الى أي شيء يدور من حوله.
الى جانب أن وضعه كلمة سر على جهازه جعل الشك يدخل الى قلبها، الا أنها لم تعر الأمر أهمية كبيرة، وفق قولها، حتى جاء يوم نسي فيه جهازه مفتوحا دون أن يقفله لتكون صدمتها أكبر مما تتوقع.
تقول "لم أعد أعرف من أين أبدأ فهو مثل الاخطبوط في كل موقع له اسم ومشارك فيه، ولديه عدد لا يحصى من الصديقات والصور وتبادل المسجات وغيرها العديد من الأشياء التي صدمتني"، مبينة أنها بعد الذي رأته "لم تحتمل" الاستمرار خصوصاً أنها وجدت خصوصيات "لا تحتمل" فقررت الانفصال.
وكانت أستاذة علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية الدكتورة أمل العواودة، أكدت في محاضرة أجرتها أن "نسبة الطلاق في الأردن للعام 2011 تجاوزت 25 % وهي نسبة مرتفعة مقارنة بالسنوات السابقة"، معتبرة أن "انتشار وسائل الاتصال والتعارف الالكتروني مع انتشار الإنترنت أسهمت بشكل كبير في انتشار هذه الظاهرة".
وقالت العواودة خلال محاضرة عن الطلاق والزواج الثاني، نظمتها جمعية التعاون الخيرية بالتعاون مع جمعية نساء ضد العنف إن "انتشار وسائل الاتصال والإعلام أسهم بطريقة غير مباشرة في انتشار الخيانة الزوجية، ما جعلها أحد أهم أسباب الطلاق إضافة إلى عدم التوافق بين الزوجين وعدم التفاهم والاحترام المتبادل وتدخل الأهل وعادات التلفظ بالطلاق".
وأوضحت أن "التسامح وعدم العناد والاعتذار والعفو واسترجاع الذكريات الجميلة والحوار والتفاهم والنقاش البناء، تعد من أهم الحلول الممكنة والتي يستطيع كلا الزوجين اتباعها والتحلي بها لتقليل فرص الطلاق بينهما".
وتظهر آخر الارقام الرسمية المحلية أن عدد مستخدمي الإنترنت بشكل عام في المملكة ارتفع الى 3.5 مليون مستخدم، مشكلين نسبة انتشار تصل الى 56 % من عدد سكان المملكة، فيما يقدر عدد مستخدمي الفيسبوك بحوالي 2.4 مليون مستخدم، وعدد مستخدمي "تويتر" بحوالي 60 الفا.
وتشير احصاءات رسمية إلى أن 35 % من بيوت الاسر الأردنية تقتني خدمة الإنترنت.
الحاجة لملء الفراغ والرغبة في بناء علاقات جديدة هي من أهم الأمور التي تخلق هذا الولع في الانترنت، بحسب اختصاصي الشؤون الأسرية والزوجية، والمحامي د.فتحي طعامنة، الذي يرى أنه من خلال الواقع والاستقراء لقضايا الخلافات الزوجية التي تحدث، فإن هناك حجما من الخلافات الاسرية التي تؤدي الى الطلاق بسبب وسائل الاتصال الحديثة وشبكة الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
ويشير الى انه سواء حدث ذلك في طريقة مقصودة أو غير مقصودة، فإن هذا يرجع الى تفهم الطرف الآخر للأمر، مبينا أنه من المهم جدا أن يكون الأشخاص واضحين حتى لا يضطروا الى الوقوع في اشكاليات الوسائل الحديثة.
العزلة بين الزوجين والصمت الزواجي وانعدام الحوار داخل الأسرة هي من أهم مسببات الطلاق الناتج عن انتشار الانترنت برأي اختصاصي علم الاجتماع د.حسين الخزاعي الذي يرى بأن ذلك كله عدا عن الخيانة الالكترونية التي قد تحدث لتوفر تلك الوسائل.
ابراهيم غسان يعتبر أن الانترنت "المتنفس الوحيد" لديه والذي يأخذه الى مكان بعيد عن المشاكل الأسرية، مبينا أن زوجته تفضل بقاءه في المنزل طوال الوقت بجانبها حتى لو "لم أكن أفعل شيئا"، وبالوقت نفسه يقول إنه لا يجد اي اهتمام منها.
غير انه يحبها ولا يريد الابتعاد عنها ما جعله يقضي وقته على الانترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وعلى "المسنجر"، في التحدث مع الناس، مبينا أن ذلك يجعله أكثر سعادة ويجدد الحياة له بعيدا عن "نكد زوجته".
ويضيف أنه يدرك تماما أنها لو علمت سوف يحدث شيء سيئ جدا في علاقتهما وسيكون مصيرها الطلاق، الا أنه بنفس الوقت لا يخونها ولكنه يرفه عن نفسه.
ويشير الخزاعي الى أن الانترنت سبب رئيسي في الطلاق، خصوصاً في ظل الانتشار السريع الآن، لافتا الى أهمية عدم تبديل الأولويات ومراعاة فهم العلاقة الزوجية واضفاء مشاعر الحب والاحترام بين الزوج والزوجة.
وفي هذا الصدد يرى الاختصاصي النفسي د.أحمد الشيخ أن وجود وسائل الاتصال وعلاقته بالطلاق هو أحد التأثيرات غير المباشرة على ذلك.
الا أن قضية وسائل الاتصال وتنوعها تفتح قنوات التواصل، وإذا تم التعارف على هذا الكم من المواقع فان ذلك سيرتبط بمشكلات أخرى كالطلاق ومشكلات اجتماعية.
وكانت الاحصائية الصادرة عن دائرة قاضي القضاة، قد أظهرت وقوع 16086 حالة طلاق العام الماضي، توزعت على: 3024 حالة طلاق رجعي، 6355 طلاق بائن قبل الدخول، 6283 طلاق بائن بعد الدخول، و 424 حالة طلاق بائن بينونة كبرى.
مدير جمعية العفاف الخيرية مفيد سرحان، يرى أن الجمعية قامت بدراسة ميدانية سابقة توصلت الى أن معظم حالات الطلاق في الأردن، وهي التي تعادل 43 % تتم قبل الدخول، ويليها الطلاق في السنوات الأولى من الزواج.
ويشير سرحان الى أن أهم شيء هو التوفيق بين التواصل الاعلامي والوفاق الزوجي وهي قضية ضرورية، معتبرا أن حدوث ذلك يتطلب عدة أمور أهمها؛ تربية الشباب والبنات تربية حسنة وتوعيتهم وتدريبهم على الطرق السليمة للتعامل مع وسائل الاتصال، للاستفادة منها بطريقة إيجابية وأن تكون عنصرا لتفعيل التواصل بين الأزواج.
الى جانب أن ذلك يتطلب أيضاً وجود الثقة الكبيرة بين الزوجين، وألا تكون مثل هذه الوسائل من أسباب انشغال أي طرف منهما عن الآخر وحدوث فجوة في التواصل بين الزوجين، لافتا الى ان ذلك يجعل لوسائل الاعلام دورا إيجابيا من حيث مضمونها والرسالة التي تؤديها في هذا المجال.
ويرى الشيخ أن القضية ترتبط بكيفية التعامل مع تلك المواقع والاستفادة منها وكيفية تفسير ذلك، مبينا أنه قد تكون القضية مرتبطة بقيم ثقافية فقد ترتبط بوجود علاقات، وهذا النوع من العلاقات أصبح يفرض نمطا معينا من العلاقة لا يوازي القبول الاجتماعي له.
ويشير الى أن تلك الفجوة بين ثقافة الاتصال والثقافة الاجتماعية تؤدي الى وجود مسافة لم تجسر بعض ما يؤدي الى نقله الى ساحة الرفض وعدم القبول، لافتا الى أن ذلك يستدعي تسليط الضوء على التوازي ما بين ممارسة التكنولوجيا كثقافة تفرض واقعها وما بين الثقافة الاجتماعية اليومية الحياتية.
ان الاّراء المذكورة هنا تعبر عن وجهة نظر أصحابها ولاتعبر بالضرورة عن اراء الجميع