الملتقى الفقهي - عماد عنان
شن علماء الأزهر الشريف حملة ضارية ضد إنكار البعض وجود عذاب القبر، مؤكدين من هناك بعض الغيبيات قد تم حسمها بالعديد من الأدلة من القرآن والسنة، منها، عذاب القبر ونعيمه، الجنة والنار، الحساب والصراط، وغير ذلك من الغيبيات التي لا ينكرها منصف، وقد التقى " الملتقى الفقهي " بعض العلماء للوقوف على آرائهم حيال ما ادعاه أحد الإعلاميين المصريين بشأن إنكار عذاب القبر، وأن ما ذكر عنه ليس إلا محاولة لتخويف المسلمين وإرهابهم على حد زعمه.
بداية يرى الدكتور عبدالحليم منصور، وكيل كلية الشريعة بجامعة الأزهر، من الدين فيه أمور قطعية وأمور ظنية من جهة الورود ومن جهة الدلالة، والقطعيات ورودا أو دلالة لا مجال للاجتهاد فيها، لأنها من المعلوم بالدين بالضرورة وهى ثوابت هكذا، في الماضي والحاضر والمستقبل، وتحصر في أركان الإيمان والإحسان، وأصول فقه الحلال والحرام، وهناك أمور ظنية الورود والدلالة وهى محل اجتهاد لا تخرج الإنسان عن الملة إن أثبتها أو نفاها، والعالم عالمان، عالم الشهادة، وعالم الغيب، والأخير لا يبحث فيه، إلا ما جاء فيه نص، ومن الغيبيات المتصلة بفروعيات الاعتقاد، قضية نعيم القبر وعذابه.
وأضاف: إن هناك من العلماء الفريق الآخر، من نفى نعيم القبر وعذابه استنادا لأدلة عقلية من الجزاء يكون بعد المحاسبة، ومعلوم أنها تكون يوم القيامة ولا يعلم كيف يكون المصير، هل إلى الجنة بفضل الله وشفاعة نبيه، أو بفضل العمل الصالح، أو إلى النار، وكلها أمور غير محسومة، ومعلوم من القبر مرحلة برزخية بين الموت وبين البعث، ولا يتصور عقلا تقديم الجزاء قبل المحاكمة، وبهذا يظهر من المسألة ظنية الورود، وظنية الدلالة والورود، فإثباتها أو نفيها لا تعلق له بأركان وأصول الإيمان، والأولى الإمساك عنها، وتفويض حقيقة العلم إلى الله عز وجل بعدم الانزلاق وراء المجادلات والإلهاء والإشغال، وترك فقه الأولويات والواقع إذا ما لم يحسن ذكره.
من جانبه، أكد فضيلة الشيخ مصطفى العدوي، من علماء السنة في مصر، من هناك الكثير من الأدلة من القرآن والسنة تثبت عذاب القبر، منها قوله تعالى: }...وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ في غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ{(الانعام: 93) ، وقوله أيضا }فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ{ (محمد: 27)، وقال تعالى: }النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ{ (غافر: 46 ) ، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: "إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ" ، ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ في كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا، قَالَ: "لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا" (البخاري)، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما، من رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ، من كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" ( البخاري) وأكد العدوي من أهل السنة والجماعة وجمهور المسلمين قالوا إن عذاب القبر ونعيمه يكون للروح والجسد معًا، إذ هو من قبيل الممكن، ولأن ظاهر النصوص الواردة تقتضي ذلك، ولا حاجة إلى التأويل، وكل ما جوزه العقل وورد به الشرع من أمور الغيب وجب الإيمان بثبوته بلا تأويل، كعذاب القبر ونعيمه، ورد الروح إلى الميت في قبره، والميزان، والصراط، والحوض، والشفاعة".
وفي نفس السياق، قال الشيخ علي أبو الحسن، رئيس لجنة الفتوى في الأزهر سابقاً، إن عذاب القبر ثابت في النصوص الإسلامية في القرآن والسنة، موضحا إن عذاب القبر ورد في أكثر من موضع بالقرآن، مشيراً إلى من الله تعالى قال: }...وحاق بآل فرعون سوء العذاب، النار يعرضون عليها غدوًا وعشيًا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب{( غافر: 45-46) وأوضح من الآية تؤكد من آل فرعون يعرضون على النار صباحاً ومساء في القبر، ثم يتعرضون لأشد العذاب يوم القيامة. وأضاف من الله جل جلاله قال في آية أخرى: }ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون{ ( السجدة: 21)، مؤكداً من علماء التفسير قالوا إن العذب الأدنى هو عذاب القبر، وذكر من عذاب القبر منصوص عليه أيضاً في السنة النبوية، ومنها الحديث الشريف، عن عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عذاب القبر حق" ( مسلم)، وقال أيضا "إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار" ( الترمذي ).